فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33)}.
اعلم أنه تعالى لما قال: {فَذَانِكَ برهانان مِن رَّبّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} [القصص: 32] تضمن ذلك أن يذهب موسى بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه، فعند ذلك طلب من الله تعالى ما يقوي قلبه ويزيل خوفه فقال: {رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ وَأَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَانًا} لأنه كان في لسانه حبسة، إما في أصل الخلقة، وإما لأجل أنه وضع الجمرة في فيه عندما نتف لحية فرعون.
أما قوله: {فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءًا يُصَدّقُنِي} ففيه أبحاث:
البحث الأول: الردء اسم ما يستعان به، فعل بمعنى مفعول به، كما أن الدفء اسم لما يدفأ به، يقال ردأت الحائط أردؤه إذا دعمته بخشب أو غيره لئلا يسقط.
البحث الثاني: قرأ نافع {ردًا} بغير همز والباقون بالهمز، وقرأ عاصم وحمزة {يصدقني} برفع القاف، ويروى ذلك أيضًا عن أبي عمرو والباقون بجزم القاف وهو المشهور عن أبي عمرو، فمن رفع فالتقدير ردءًا مصدقًا لي، ومن جزم كان على معنى الجزاء، يعني أن أرسلته صدقني ونظيره قوله: {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِى} [مريم: 5، 6] بجزم الثاء من يرثني.
وروى السدي عن بعض شيوخه ردءًا كيما يصدقني.
البحث الثالث: الجمهور على أن التصديق لهرون، وقال مقاتل: المعنى كي يصدقني فرعون والمعنى أرسل معي أخي حتى يعاضدني على إظهار الحجة والبيان، فعند اجتماع البرهانين ربما حصل المقصود من تصديق فرعون.
البحث الرابع: ليس الغرض بتصديق هرون أن يقول له صدقت، أو يقول للناس صدق موسى، وإنما هو أن يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل، ويجيب عن الشبهات ويجادل به الكفار فهذا هو التصديق المفيد، ألا ترى إلى قوله: {وَأَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَانًا فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ} وفائدة الفصاحة إنما تظهر فيما ذكرناه لا في مجرد قوله: صدقت.
البحث الخامس: قال الجبائي: إنما سأل موسى عليه السلام أن يرسل هرون بأمر الله تعالى وإن كان لا يدري هل يصلح هرون للبعثة أم لا؟ فلم يكن ليسأل مالا يأمن أن يجاب أو لا يكون حكمة، ويحتمل أيضًا أن يقال إنه سأله لا مطلقًا بل مشروطًا على معنى، إن اقتضت الحكمة ذلك كما يقوله الداعي في دعائه.
البحث السادس: قال السدي: إن نبيين وآيتين أقوى من نبي بواحد وآية واحدة.
قال القاضي والذي قاله من جهة العادة أقوى، فأما من حيث الدلالة فلا فرق بين معجزة ومعجزتين ونبي ونبيين، لأن المبعوث إليه إن نظر في أيهما كان علم، وإن لم ينظر فالحالة واحدة، هذا إذا كانت طريقة الدلالة في المعجزتين واحدة، فإما إذا اختلفت وأمكن في إحداهما إزالة الشبهة ما لا يمكن في الأخرى، فغير ممتنع أن يختلفا ويصلح عند ذلك أن يقال إنهما بمجموعهما أقوى من إحداهما على ما قاله السدي، لكن ذلك لا يتأتى في موسى وهرون عليهما السلام، لأن معجزتهما كانت واحدة لا متغايرة.
أما قوله: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} فاعلم أن العضد قوام اليد وبشدتها تشتد، يقال في دعاء الخير شد الله عضدك، وفي ضده فت الله في عضدك.
ومعنى سنشد عضدك بأخيك سنقويك به، فإما أن يكون ذلك لأن اليد تشتد لشدة العضد والجملة تقوى بشدة اليد على مزاولة الأمور، وإما لأن الرجل شبه باليد في اشتدادها باشتداد العضد فجعل كأنه يد مشتدة بعضد شديدة.
أما قوله: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} فالمقصود أن الله تعالى آمنه مما كان يحذر فإن قيل بين تعالى أن السلطان هو بالآيات فكيف لا يصلون إليهما لأجل الآيات أو ليس فرعون قد وصل إلى صلب السحرة وإن كانت هذه الآيات ظاهرة، قلنا إن الآية التي هي قلب العصا حية كما أنها معجزة فهي أيضًا تمنع من وصول ضرر فرعون إلى موسى وهرون عليهما السلام، لأنهم إذا علموا أنه متى ألقاها صارت حية عظيمة وإن أراد إرسالها عليهم أهلكتهم زجرهم ذلك عن الإقدام عليهما فصارت مانعة من الوصول إليهما بالقتل وغيره وصارت آية ومعجزة فجمعت بين الأمرين، فأما صلب السحرة ففيه خلاف فمنهم من قال ما صلبوا وليس في القرآن ما يدل عليه وإن سلمنا ذلك ولكنه تعالى قال: {فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} فالمنصوص أنهم لا يقدرون على إيصال الضرر إليهما وإيصال الضرر إلى غيرهما لا يقدح فيه، ثم قال: {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} والمراد إما الغلبة بالحجة والبرهان في الحال، أو الغلبة في الدولة والمملكة في ثاني الحال والأول أقرب إلى اللفظ. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله: {هو أَفْصَحُ مِنِّي لسانًا} أي: أحسنُ بيانًا، لأنَّ موسى كان في لسانه أثر الجمرة التي تناولها، {فأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} قرأ الأكثرون: {رِدْءًا} بسكون الدال وبعدها همزة.
وقرأ أبو جعفر: {رِدا} بفتح الدال وألف بعدها من غير تنوين ولا همز؛ وقرأ نافع كذلك، إِلا أنه نوَّن.
وقال الزجاج: الرِّدْءُ: العون، يقال: ردأتُه أردؤه رِدْءًا: إِذا أعنتَه.
قوله تعالى: {يُصَدِّقُني} قرأ عاصم، وحمزة: {يُصَدِّقُني} بضم القاف.
وقرأ الباقون بسكون القاف.
قال الزجاج: من جزم {يُصَدِّقْني} فعلى جواب المسألة: أَرْسِلْهُ يُصَدِّقْني؛ ومن رفع، فالمعنى: رِدْءًا مُصَدِّقًا لي.
وأكثر المفسرين على أنه أشار بقوله: {يُصَدِّقُني} إِلى هارون؛ وقال مقاتل بن سليمان: لكي يُصَدِّقني فرعون.
قوله تعالى: {سنَشُدُّ عَضُدكَ بأخيك} قال الزجاج: المعنى: سنُعينك بأخيك، ولفظ العَضُد على جهة المثل، لأن اليد قِوامُها عَضُدُها، وكل مُعين فهو عَضُد، {ونَجْعَلُ لكما سُلطانًا} أي: حُجَّة بيِّنة.
وقيل للزَّيت: السَّليط، لانه يُستضاء به؛ والسُّلطان: أبْيَن الحُجج.
قوله تعالى: {فلا يَصِلُونَ إِليكما} أي: بقتل ولا أذى.
وفي قوله: {بآياتنا} ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المعنى: تمتنعان منهم بآياتنا وحُججنا فلا يَصِلُون إِليكما.
والثاني: أنَّه متعلِّق بما بعده، فالمعنى: بآياتنا أنتما ومَنْ اتبَّعكما الغالبون، أي: تَغْلِبُون بآياتنا.
والثالث: أنَّ في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، تقديره: ونجعل لكما سُلطانًا بآياتنا، فلا يَصِلُون إِليكما. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءًا}.
يعني معينًا مشتق من أردأته أي أعنته.
والردء العون.
قال الشاعر:
ألم تر أنّ أصْرمَ كان رِدئي ** وخيرَ الناسِ في قُلٍّ ومال

النحاس: وقد أردأه ورداه أي أعانه؛ وترك همزه تخفيفًا.
وبه قرأ نافع: وهو بمعنى المهموز.
قال المهدوي: ويجوز أن يكون ترك الهمز من قولهم أَردى على المائة أي زاد عليها، وكأن المعنى أرسله معي زيادة في تصديقي.
قاله مسلم بن جندب.
وأنشد قول الشاعر:
وأسمر خَطِّيًّا كأنّ كُعوبَه نوى القَسْب ** قد أردَى ذراعًا على العَشْر

كذا أنشد الماوردي هذا البيت: قد أردى.
وأنشده الغزنوي والجوهري في الصحاح قد أرمى؛ قال: والقسب الصلب، والقسب تمر يابس يتفتت في الفم صلب النواة.
قال يصف رمحًا: وأسمر.
البيت.
قال الجوهري: ردؤ الشيء يردؤ رداءة فهو رديء أي فاسد، وأردأته أفسدته، وأردأته أيضًا بمعنى أعنته؛ تقول؛ أردأته بنفسي أي كنت له رِدءًا وهو العون.
قال الله تعالى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي}.
قال النحاس: وقد حكي ردأته: رِدءًا وجمع ردءٍ أَرْدَاءٌ.
وقرأ عاصم وحمزة: {يُصَدِّقُنِي} بالرفع.
وجزم الباقون؛ وهو اختيار أبي حاتم على جواب الدعاء.
واختار الرفع أبو عبيد على الحال من الهاء في {أَرْسِلْهُ} أي أرسله ردءًا مصدّقًا حالة التصديق؛ كقوله: {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السماء تَكُونُ} [المائدة: 114] أي كائنة؛ حال صرف إلى الاستقبال.
ويجوز أن يكون صفة لقوله: {رِدْءًا}.
{إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} إذا لم يكن لي وزير ولا معين؛ لأنهم لا يكادون يفقهون عني، ف {قَالَ} الله عزّ وجل له: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} أي نقوّيك به؛ وهذا تمثيل؛ لأن قوّة اليد بالعضد.
قال طَرَفة:
بَنِي لُبَيْنَى لستُمُ بيدٍ ** إِلاّ يدًا ليست لها عَضد

ويقال في دعاء الخير: شدّ الله عضدك.
وفي ضدّه: فتّ الله في عضدك.
{وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} أي حجة وبرهانًا.
{فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} بالأذى {بِآيَاتِنَآ} أي تمتنعان منهم {بِآيَاتِنَا} فيجوز أن يوقف على {إِلَيْكُمَا} ويكون في الكلام تقديم وتأخير.
وقيل: التقدير {أَنتُمَا وَمَنِ اتبعكما الغالبون} بآياتنا.
قاله الأخفش والطبري.
قال المهدوي: وفي هذا تقديم الصلة على الموصول، إلا أن يقدّر أنتما غالبان بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون.
وعنى بالآيات سائر معجزاته. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قال رب إني قتلت منهم نفسًا} هو القبطي الذي وكزه فمات، فطلب من ربه ما يزداد به قوة، وذكر أخاه والعلة التي تكون له زيادة التبليغ.
و{أفصح} يدل على أنه فيه فصاحة، ولكن أخوه أفصح.
{فأرسله معي ردأ} أي معينًا يصدقني، ليس المعنى أنه يقول لي: صدقت، إذ يستوي في قول هذا اللفظ العيي والفصيح، وإنما المعنى: أنه لزيادة فصاحته يبالغ في التبيان، وفي الإجابة عن الشبهات، وفي جداله الكفار.
وقرأ الجمهور: ردأ، بالهمزة؛ وأبو جعفر، ونافع، والمدنيان: بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الدال؛ والمشهور عن أبي جعفر بالنقل، ولا همز ولا تنوين، ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
وقرأ عاصم، وحمزة: يصدقني، بضم القاف، فاحتمل الصفة لردأ، والحال احتمل الاستئناف.
وقرأ باقي السبعة: بالإسكان.
وقرأ أبي، وزيد بن علي: يصدقوني، والضمير لفرعون وقومه.
قال ابن خالويه: هذا شاهد لمن جزم، لأنه لو كان رفعًا لقال: يصدقونني. انتهى، والجزم على جواب الأمر.
والمعنى في يصدقوني: أرجو تصديقهم إياي، فأجابه تعالى إلى طلبته وقال: {سنشد عضدك بأخيك}.
وقرأ زيد بن علي، والحسن: عضدك، بضمتين.
وعن الحسن: بضم العين وإسكان الضاد.
وعن بعضهم: بفتح العين وكسر الضاد؛ وفتحهما، قرأ به عيسى، ويقال فيه: عضد، بفتح العين وسكون الضاد، ولا أعلم أحدًا قرأ به.
والعضد: العضو المعروف، وهي قوام اليد، ويشدتها يشتد.
قال الشاعر:
أبني لبيني لستما بيد ** إلا يدًا ليست لها عضد

والمعنى فيه: سنقويك بأخيك.
ويقال في الخير: شد الله عضدك، وفي الشر: فتّ الله في عضدك.
والسلطان: الحجة والغلبة والتسليط.
{فلا يصلون إليكما} أي بسوء، أو إلى إذايتكما.
ويحتمل {بآياتنا} أن يتعلق بقوله: ويجعل، أو بيصلون، أو بالغالبون، وإن كان موصولًا على مذهب من يجوز عنده أن يتقدم الظرف والجار والمجرور على صلة أل، وإن كان عنده موصولًا على سبيل الاتساع، أو بفعل محذوف، أي اذهبا بآياتنا.
كما علق في تسع آيات باذهب، أو على البيان، فالعامل محذوف، وهذه أعاريب منقولة.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون قسمًا جوابه {فلا يصلون} مقدمًا عليه، أو من لغو القسم. انتهى.
أما أنه قسم جوابه {فلا يصلون} فإنه لا يستقيم على قول الجمهور، لأن جواب القسم لا تدخله الفاء.
وأما قوله: أو من لغو القسم، فكأنه يريد والله أعلم.
إنه لم يذكر له جواب، بل حذف لدلالة عليه، أي بآياتنا لتغلبن. اهـ.